» نموذج من أخلاق الرسول صلّى الله عليه وآله
يقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخرَ)(1)، فإذا كان أملنا ورجاؤنا بالله والآخرة فليكن رسول الله صلّى الله عليه وآله قدوتنا، ولنتعلّم من سيرته صلّى الله عليه وآله. علينا أن نبحث في أخلاق الرسول والعترة لنعمل بهما.
نعرض فيما يلي نموذجاً واحداً من أخلاق الرسول صلّى الله عليه وآله للتأسيّ به.
روى العلامة المجلسي أن محمد بن إسحاق قال: كان أبو العاص بن الربيع ختن (صهر) رسول الله صلّى الله عليه وآله و زوج ابنته زينب، وكان من رجال مكة المعدودين مالاً وأمانة وتجارة ... وثبت أبو العاص على شركه... حتى هاجر رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المدينة وبقيت زينب بمكة مع أبي العاص. فلما سارت قريش إلى بدر سار أبو العاص معهم فأصيب في الأسرى يوم بدر، فأُتي به النبي صلّى الله عليه وآله فكان عنده مع الأسارى، فلما بعث أهل مكة في فداء أساراهم بعثت زينب في فداء بعلها أبي العاص بمال، وكان فيما بعثت به قلادة كانت خديجة سلام الله عليها أمّها أدخلتها بها على أبي العاص ليلة زفافها عليه. فلما رآها رسول الله صلّى الله عليه وآله رقّ لها رقّة شديدة، وقال للمسلمين: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها ما بعثت به من الفداء فافعلوا.
فقالوا: نعم يارسول الله، نفديك بأنفسنا وأموالنا. فردّوا عليها ما بعثت به، وأطلقوا لها أبا العاص بغير فداء (2).
فالنبي صلّى الله عليه وآله مع ما له من الولاية على المسلمين وحق التصرف في أموالهم الشخصية فضلاً عن العامة؛ بنصّ الآية الشريفة (النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم)(3) - وهذا من المسلّمات الفقهية والإسلامية - تراه يستأذن المسلمين في إعادة فداء ابنته وهي القلادة التي أهدتها خديجة سلام الله عليها لابنتها زينب ليلة زفافها، وذلك إكراماً لخديجة، لأن خديجة سلام الله عليها تحظى بمكانة عظيمة عنده صلّى الله عليه وآله(4)، فإنها وإن لم تكن معصومة لكنها كانت من النساء العظيمات اللواتي لهن شأن ، مثل اُم البنين (أم العباس ابن أمير المؤمنين سلام الله عليهما) والسيدة نرجس سلام الله عليها (أم الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف)(5).
أجل، إن النبي صلّى الله عليه وآله لم يستعمل ولايته ولم يتصرف في هذا الحق الذي منحه الله تعالى وإنما ضرب مثلاً في الأخلاق عندما طلب الإذن من المسلمين ولم يقدم على إرجاع القلادة إلا إذا سمحوا بذلك.
إن الدرس الذي نأخذه من هذا الموقف النبوي هو أن الولاية ليست من أجل أن يستفيد منها صاحبها كل آن؛ بل بإمكانه أن يصل إلى هدفه إن كان نبيلاً حتى من دون اللجوء إليها.
وههنا أوجّه كلامي للآباء والأمهات فأقول لهم: إن حقّكم وولايتكم على أولادكم كبيرة جداً، ولكن اجتهدوا ألاّ تُعملوها دائماً. فليس من الضروري أن تستعملوا ولايتكم في كل شيء بل يمكنكم توجيههم حتى من دون أمر ونهي بل بالحبّ والأخلاق.
لنتعلّم من رسول الله صلّى الله عليه وآله ولنقتدِ به في إصلاح أبنائنا ولنعلم أن استعمال الأخلاق أولى من استعمال الولاية في بعض الأماكن، لأن الأخلاق لها القابلية على جذب نفوس الناس غالباً، وإنّ من دواعي انتشار الاسلام أخلاق رسول الله صلّى الله عليه وآله. فبهذه الأخلاق استطاع الرسول صلّى الله عليه وآله أن يغيّر كثيراً من المنافقين ويحوّلهم إلى مسلمين صادقين، وبهذه الأخلاق نجح صلّى الله عليه وآله في أن يكسب حتى كثيراً من المشركين واليهود إلى نور الاسلام والهداية.
وأنتم أيها الأبناء لا تغفلوا بدوركم عن عظمة حقّ والديكم وولايتهم عليكم، وإن لم يستعملوهما معكم.