يبادر الناس إلى الأطباء، لعلاج ما يصيب أبدانهم ، أما إذا أصاب المرض نفوسهم فإنهم يجدون حرجا فى اللجوء إلى طبيب الأمراض النفسية ، وذلك بسبب خطأ راسخ في الأذهان ، يظنون أنه لا يذهب إلى الطبيب النفسي ،إلا من أصابه الجنون ! وهذا الفكر يحتاج إلى تصويب .
ومن رحمة الله بعباده ، أن العلاج النفسي لبعض الحالات يمكن أن يقوم به آخرون بالإضافة إلى الطبيب النفسى ، علماء النفس أنفسهم هم الذين يقولون ذلك ، يقولون: أن العلاج النفسي يمكن أن يقوم به الطبيب النفسي ، والأخصائي الاجتماعي، والمرشد الديني ، بشرط أن يكون كل منهم ذا كفاءة وقدرة عالية للقيام بهذا الدور .
يقولون أيضا أن المعالج النفسي ، يجب أن يتمتع بأخلاق فاضلة وقيم عالية ، ومفاهيم سامية ، وأن يكون ممن يخشون الله تعالى ،ويعبدونه حق عبادته ، وأن يكون محبا للخير ، يحب الناس ويسعى لعونهم ، دون النظر إلى مصلحة شخصية، وأن يكون مربيا فاضلا ذا تجربة في الحياة ، وأن يكون طيب القلب ، يمكنه إرشاد الناس إلى التحلي بالفضيلة و التخلي عن الرذيلة ، وأن يكون ذا نفس مشرقة ،يلتمس الأعذار للناس إذا أخطأوا .
هذه الصفات يمكن أن تتوفر في الإنسان إذا تربى تربية إيمانية قرآنية على كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
معنى ذلك أن الالتزام الدقيق بتعاليم الإسلام ، والحرص على العبادات ، يساعد في إعداد المعالج النفسي المتميز ، سواء كان طبيبا نفسيا أو أخصائيا نفسيا أو اجتماعيا ، أو مرشدا دينيا ، فإذا كان هذا هو أثر الدين على الطبيب المعالج ، فماذا يكون أثره على المريض نفسه ؟
يقول النفسانيون أن المرشد الديني ،من بين الذين يستطيعون القيام بالعلاج ، والمرشد الديني لا يأتي بشئ من عند نفسه ، ولكنه يأخذ بيد الإنسان إلى طريق الهداية ، كي يتسلل النور إلى نفسه المظلمة ، ويحل الشعور بالطمأنينة محل القلق ، إنه يغير أفكاره ، وتغيير الفكر هو أول خطوة لتغيير السلوك ، إنه يعلمه الصواب ثم يدربه عليه ، فالإنسان قد يعرف الصواب ، ولكنه لا يتحول إلى سلوك إلا بشئ من التدريب .
الاضطراب النفسي قد يكون بسبب مشكلة معينة ، وهذه المشكلة قد تكون بسبب ضعف الإنسان وعدم قدرته على مواجهة مشكلته ، وهنا تظهر أهمية العبادة ، والسلوك الديني الذي يقوي النفس ويجعلها قادرة على مواجهة الصعاب .
وقد تكون المشكلة بسبب فقدان شئ لا يمكن استرجاعه ، وهنا تبرز أهمية الدين أيضا ، حيث يعلمنا الرضا والتسليم ، وبذلك نتواءم مع الأمر الواقع .
المرشد الديني قد يكون معلما في مدرسة ، أو طبيبا في مستشفى ، أو خطيبا في مسجد ، أو متحدثا في الإذاعة والتلفاز ، وقد يمارس دوره من خلال كتاب أو مجلة ، فهو داع إلى الله بعلم وفهم و حكمة و دراية .
وهكذا نجد أن الدين دواء شاف لكثير من العلل ، خاصة العلل النفسية ، فهو يفيد في كثير من الحالات ، ولكن إذا تفاقم الأمر ، فلا بد من زبارة الطبيب النفسي ، وبالإضافة إلى برنامجه العلاجي ، تظل العبادة ذات أثر فعال ، ليس للمريض فقط ، ولكن للطبيب أيضا .