معنى ليلة القدر .. قال اللغوي
الأزهري: هي ليلة العظمة والشرف، وقال القرطبي: سميت بذلك لعظمها وقدرها
وشرفها، وقيل لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً وثوابا جزيلاً، ولأنه أُنزل
فيها كتاب ذو قدر على رسول ذي قدر على أمة ذات قدر، ولأنه ينزل فيها
الملائكة ذوو قدر، وقيل لأن الله تعالى يُنزل الخير فيها والبركة
والمغفرة.تحديد وقتهالم يتفق علماء المسلمين في استنباط وقت محدد لليلة
القدر، وقد قاربت محاولات تحديد هذه الليلة بعد قراءة الكثير من الأحاديث
النبوية الشريفة الخمسين تفسيراً، فمن قائل أنها ليلة النصف من شعبان، إلى
القائل بأنها آخر ليلة من رمضان ، إلى قائل بأنها كانت ليلة واحدة ثم رفعت
نهائياً، مروراً بمن قال بأنها أول رمضان أو في وسطه أو أواخره، ومن قائل
بأنها في الليالي المنفردة( الوتر) إلى قائل بأنها في الشفع ( المزدوجة)
منه، ومن الطبيعي أن يرجح كل صاحب رأي رأيه ويدعمه بالأدلة الشرعية
المناسبة حسب فهمه الدليل، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية " وبكل حال ، فلا
يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر على الإطلاق، بل هي في العشر الأواخر،
وقد ذهب جمهور المسلمين إلى أنها ليلة السابع والعشرين، فقد قال زر بن
حبيش: قلت لأُبيٍِ بن كعب إن أخاك عبد الله بن مسعود يقول: من يقم الحول
كله يصب ليلة القدر، فقال أُبي: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، لقد علم أنها
في العشر الأواخر من رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين ولكنه أراد ألا يتكل
الناس، ثم حلف ( أُبي ) أنها ليلة سبع وعشرين، فقال زر: قلت : بأي شيء تقول
يا أبا المنذر ؟ قال بالعلامة التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم,
وهي أن تطلع الشمس يومئذ لا شعاع لها، واستدل بعضهم على ذلك بأن الله تعالى
كرر ذكر ليلة القدر في سورة القدر ثلاث مرات وعدد حروف ليلة القدر تسعة
أحرف و ناتج ضرب ثلاثة في تسعة يساوي سبعة وعشرين.واستدلوا أيضاً بأن عدد
كلمات السورة إلى قوله تعالى (هي) سبع و عشرون حرفاً, وهذه (إشارات) ظنية و
ليست قطعية يمكن أن نستدل بها بشكل قاطع أنها ليلة سبع وعشرين وقال الشيخ
عبد العزيز بن باز بأن القطع بأنها ليلة سبع وعشرين هو خطأ، ويمكن التوفيق
بين كل الأحاديث التي لوحظ أنها تحدد ليلة القدر بليلة معينة أن ليلة القدر
ليست لها ليلة محددة كأن تكون هي الليلة الفلانية في شهر رمضان, بل إن
إخبار النبي عليه السلام أنها ليلة سبع وعشرين أو ثلاث وعشرين أو اثنين
وعشرين أو أربعة وعشرين أو العشر الأواخر أو السبع الأواخر أو غير ذلك
(أنظر فتح الباري ج4ص333) بل هي ليلة متنقلة بين أيام مختلفة في رمضان, وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصف ليلة القدر التي صادف وجودها في ذلك
العام, ففي عام كانت ليلة الحادي والعشرين وفي أخر ليلة الثاني والعشرين
أو غير ذلك ويشهد على هذا أن الرسول عليه السلام قد أعطى علامات مختلفة
لليلة القدر, فمثلاً قال الرسول عليه السلام: اني رأيتها ليلة وتر واني
أسجد في صبيحتها في ماء وطين فأصبح من ليلة واحد وعشرين وقد قام الصبح
فأمطرت السماء, وحين فرغ الرسول عليه السلام من صلاته كان جبينه وانفه
فيهما الماء والطين وفي حديث آخر أن سجود الرسول عليه السلام في ماء وطين
كان ليلة الثالث والعشرين.الدعاء وانتظار الفرجيحرص المسلمون ولا سيما في
رمضان على رفع الأكف والدعاء إلى الله تعالى, والدعاء في حد ذاته من علامات
الإيمان والاطمئنان إلى قدرة الله تعالى على تحقيق الأمنيات ورفع الكربات,
واستجابة لقوله تعالى (وقال ربكم ادعوني استجب لكم), ولكن الأمر العجيب
والمستغرب أن يقف المسلمون عند حدود الدعاء والطلب, وترك العمل والسعي.
وكثيرة هي مشاكل المسلمين من فقر وبطالة وجوع وجهل, وتشتت واستقواء للأعداء
واهراق لدماء المسلمين وقتل وتشريد في كل زمان ومكان، وأثناء ترقب
المسلمين ليلة القدر يلهجون بالدعاء أن يبعث الله تعالى إليهم عمر بن
الخطاب جديداً ليفتح بيت المقدس، أو صلاح الدين ليحرر الأقصى من الأعداء
المغتصبين ، ولكن الملاحظ أن المسلمين وبشكل عام لم يضعوا مع دعائهم شيئاً
من القطران، أي لم يجمعوا بين القول والعمل، ولم يتعرضوا للأخذ بالأسباب،
فهم هنا متواكلون، كسالى، ينتظرون الشفاء دون تناول الدواء، والله تعالى
يقول :" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".ليلة القدر ووحدة
المسلمين الأصل في المسلمين أن يكون ابتداء صومهم وعيدهم واحداً وهذا ما
ذهب إليه جل علماء المسلمين، وبالتالي تكون ليلة القدر واحدة في كل أرجاء
العالم الإسلامي، ولكن ونظرا للفرقة الواقعة نرى الفروق بين بداية الصيام
في البلاد القائمة في العالم الإسلامي قد تصل إلى يومين أو ثلاثة، فأين
ليلة القدر من هذا ؟! وهل يمكن أن تتعدد ليلة القدر بتعدد المطالع؟ ما يظهر
أن ليلة القدر هي واحدة عند الله تعالى، وأن اعتبارها يكون باعتبار أول
المسلمين صياماً لقوله عليه السلام " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " فالأمر
بالصيام هنا موجه لعامة المسلمين، فإذا أعلن مسلمون ثبوت رؤية الهلال
لديهم فيجب على بقية المسلمين متابعتهم، وتكون ليلة القدر بالتالي هي حسب
رؤيتهم، ولا عبرة بمن أصر على اعتبار رؤيته الخاصة ، ومن هنا نرى خطأ من
قال :" لكل قوم ليلتهم".كلام زائف !ساد في أذهان الكثيرين أن علامات معينة
تظهر في السماء ليلة القدر، منها أن المطلع على ليلة القدر يرى كل شيء
ساجدا، حتى الشجر يراه منقلباً رأساً على عقب، وقيل بأن الإنسان يرى نوراً
ساطعا في كل مكان حتى في المواضع المظلمة، وقيل بأن الإنسان يسمع سلاما أو
خطابا من الملائكة، وقيل من علاماتها استجابة دعاء من وفق لها ( حتما) أو
أن خوارق وكرامات تحصل لبعض ( الأولياء والصالحين ) أو أن في ليلة القدر (
طاقة ) من النور تفتح لبعض الناس من السعداء دون غيرهم، ولهذا يقول الناس
إن فلانا انفتحت له ليلة القدر، وكل هذا مما لا يقوم عليه دليل صريح من
الشرع، وقال الإمام الطبري بأنه لا يشترط لحصولها رؤية شيء ولا
سماعه.دعاء.. سألت السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه
وسلم: يا رسول الله إن علمتُ إي ليلة ليلة القدر ماذا أقول فيها ؟ قال:
قولي:" اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".