الجزء الرابع :
عزاء كالأموات:
كان لا مناص من أخبار أهلي بحقيقة الأمر
فالموضوع يصعب التكتم عليه فهو ليس بالأمر السهل إخفائه
فتشاورت أنا وأخوي محمد في كيفية إبلاغ الأهل طلب مني أن أخبرهم ولكني رأيت أنها ستكون قاسية أن أخبرهم أنا
طلبت منه أن يخبرهم
وبالفعل ونحن بالرياض أتصل على الوالد أطال الله بعمره قال له حقيقة الأمر والحمد لله لم أكن قريب من أخوي محمد في ذلك الوقت
فلا أريد أن أشعر بضعف والدي ولاأريد أن أشعر بتأنيب الضمير أنني سبب بنزول دموع هذا الشيخ الكبير أطال الله بعمره.
بعدها توجها لديرتنا للعودة للاهل وعندما وصلنا دخلنا كالمعتاد ولم نخبر الوالدة الا في الليل
كنت أنا وأخوي محمد عن الوالدة أطال الله بعمرها
وأتبع معها أخوي نفس الأسلوب الي أتبعه معي
جلس وبدأ يخبرها قصص الكثير مرضى السرطان وتعافوا منه
كانت الوالدة قدامي وتسمع وبعد ما تعبت قالت وشبه سلطان
سكت محمد ما تكلم وبعد شوي كمل القصص ولكنها قاطعته
وقالت وشبه سلطان هو به ورم؟!!
كنت أنظر للوالدة أحس أنها عارفه أني مصاب بورم ولكنها تمني النفس أن يقول أخوي محمد لا مابه ورم
الموضوع كتاب مفتوح أمامها ولكنه كان كالقش تتشبث به وتمني النفس أن يقول لا
جلوسي أمامها في ذلك الوقت كسر قلبي وجعلني أشعر بأعظم تأنيب ضمير أحسست به في حياتي
كيف هو شعور الإنسان وهو ينظر لأعز مخلوق لقلبه
والدته
ودموعها تنزل على خدها ويكون هو السبب!!!
لا أخفيكم كانت هذي اللحظة أقسى لحظة مرت علي
ولا أبالغ أن قلت أنها أقسى لحظة في حياتي كلها
بعد ذلك قال محمد ايه سلطان مصاب بورم ولكن إلى الان ما يعرف نوعه ولكن ان شاء الله انه حميد
سكتت الوالدة وانا نزلت راسي ماكنت اتحمل انظر لها
بعد قليل قالت انا كنت حاسه وقلبي ينغزني
حاولت الهرب بعد هذا الصمت المخيف انسحبت بهدوء وابتعدت
اريد ان اتنفس قليلاً .
بعد ذلك انتشر الخبر بين اهلي ومعارفي وجميع من نعرف عرف بالخبر
كانت هذه الأيام عصيبة
عصفت بنفسيتي وأوصلتني لمرحلة تدهور نفسي خطير
والسبب في ذلك هو التعامل الخاطئ من الأهل ومن المعارف واتمنى من يقرأ كلماتي أن لا يكرروا هذا الخطأ مع مرضاهم
كنت أشبه بمن يحضر جنازته
كان الكثير يأتون لزيارتنا على غير المعتاد
كان الكل يأتي للزيارة يسلم على الأهل ويحاول أن يخفف عنهم
وبعد ذلك يركضون إلي لينادوني للسلام على من أتى
وهذا هو الهدف الرئيسي دائماً للزيارة
كانت نظرات الناس ونظرات الأهل تخترق قلبي
أحس أنهم ينظرون إلي وكأنهم يحظرون لعزائي
وكأنهم بدأو يخططون أين يقام العزاء
أقرأ في أعين الناس كلام كثير
هناك من أقرأ في عيونه مسكين أصابه الورم في سن العشرين توه صغير
هناك من أقرأ في عيونه مسكين أيامه معدودة
هناك من أقرأ في عيونه ألم إستعداد لفقداني بالدنيا
هناك من أفرأ في عيونه بكاء لموتي
كانت العيون تحكي لي عما في قلوب الناس
كنت أنظر لنظرة الشفقة هذي وفعلاً كنت أمقتها
ففي الوقت الذي من المفترض أن يشد الناس من عزمي
كانو يحبطوني بنظرات الشفقة ويقتلون الأمل بداخلي لدرجة وصلت فيها أني بدأت أتخيل كيف سيعيش أهلي بدوني وكيف سيحيون بلا وجودي
كل هذا بسبب نظرة الناس والشفقة التي كانوا يقتلوني بها
في ذلك الوقت كنت ممنوع من حمل أي شيء ومن عمل اي شي ومن الاقتراب بأي شي
كل ما تشتهيه نفسي يحظر لي وكل ما يثقل علي كنت ممنوع منه
قد يقرأ أحد ما كلامي ويقول انت مريض والمفترض أن لا تجهد نفسك
أقول نعم
من المفترض أن لا أجهد نفسي
فلا أحمل شيء ثقيل ولا أعمل مجهود بدني متعب
ولكن ليس بهذا الشكل الذي يتم منع فيه من كل شيء حتى المجهود البدني القليل
فمثلاً أحيان أريد أن أحضر كأس ولكن الأهل يرفضون ويقفون بوجهي أنت مريض أجلس وقم يا فلان أحضر له
هذا الأمر البسيط إحضار الكأس قد لا يعني شيء لغير المريض
ولكنه للمريض يعني أمر كبير جداً
يعني إعتماد على نفسه وقوته
يعني أنه يعمل مايستطيع عمله
يعني أنه قادر ولو على عمل الشيء البسيط
أمر بسيط جداً ولكنه ينعكس بنفسيه المريض بشكل حسن
مرت الأيام على نفس الوتيرة وكل يوم كنت أموت فيه الف مره من نظرات الشفقة
بعد ذلك جاء وقت الأشعة المقطعية ورجعت للرياض مع الوالد أطال لله بعمره
وعملت أشعة مقطعية على منطقة الورم .
(الأشعة المقطعية طريقتها تنام على جهاز معين يربط فيه جسمك بعد أن تغرز إبرة في الوريد ,
ويبدأون في التصوير بالجهاز مع كتم النفس بعض المرات ثم يعطى المريض مادة في الوريد حارقة جداً تلسع الجسد
لدرجة تحس بها وهي تسري في الجسم ثم يأخذون صور أخرى بعد إعطاء المريض هذه المادة
تقريباً وقت الأشعة يقارب الثلث ساعة ).
حتى هذه اللحظة لا زلت أجهل نوعية الورم وعن مدى إنتشاره .
النجاة من العملية:
بعد أن انتهت فحوصاتي كان مقررأ أن أعود للدكتور ماجد لمعرفة نتائج الفحوصات.
توجهت أنا وأخوي يوسف للمستشفى وقابلنا الدكتور وطلب الإنفراد بأخوي.
قابل الدكتور أخوي يوسف وأنا جلست بالخارج أنتظر لحين انتهوا وخرج أخوي
بعدها سألت أخوي وش صار
أخبرني بقرارات الدكتور ماجد
أولاً نوع الورم لم يكتشف هل هو حميد أم خبيث
والسبب أن العينة التي أؤخذت لم تكن من الورم نفسه
بل كانت بجانب الورم
فلم تظهر النتيجة نوع الورم
كذلك
الاشعة المقطعية أظهرت أن حجم الورم كبير وأنه جزء منه في البنكرياس ومتضخم جزء منه خارج البنكرياس وأنه يضغط على الأنبوب الموصل بين القناة الصفراوية والاثنى عشر .
وهذا ماسبب لي الصفار في بداية الأمر.
والقرار الأخير هو تحويلي لقسم العمليات
لأخذ موعد وإجراء عملية استئصال للورم
بعد ذلك خرجت أنا واخوي يوسف وتوجهنا لقسم العمليات
كانت الاسياب طويلة أمشي وبجانبي أخوي يوسف يسندني
وطوال الطريق يحاول يقنعني أجلس وهو يروح ويكمل لوحده وأنا ارفض
إلى أن وصلت لنصف الطريق بعدها لم استطع أكمل من التعب
جلست وذهب أخوي يوسف لوحده لقسم العمليات وأنا جلست أنتظره
بعد قليل عاد أخوي يوسف وسألته وش صار
فقال أنه قابل رئيس قسم العمليات
وقرأ ملفي ونظر مافيه
فكانت أول نصيحة قالها الدكتور أنصحكم بمستشفى الملك خالد الجامعي او مستشفى الملك فيصل التخصصي.
لأنه ذكر أنه يوجد طبيب مميز ( نسيت أسمه) في هذا المجال يعمل بكلا المستشفيين.
وبدأ يشرح العملية لنا
العملية مدتها 16 ساعة مبدئياً وقد تزيد
سيتم فيها ازالة المجمع الذي تجتمع فيه مجموعة من اعضاء الجسم الداخلية .
بعد ذلك سيتم استئصال جزء من المعدة .
وحيث أن الأمعاء طويلة فيتم استئصال جزء منها وعمل ترقيع لما تم استئصاله .
كما أن العملية صعبة
لأن المكان يضيق بأعضاء الجسم وتكثر فيه الشرايين.
وعندما اقول نجاة من العملية فأنا أعني هذه الكلمة تماماً لأنه مع الوقت تم اكتشاف ورم في منطقة أخرى .
تم الاخذ بكلام الدكتور ورجعنا
ومن الغد توجه اخوي يوسف لوحده لمستشفى الملك فيصل التخصصي وقدم اوراقي للدكتور محمد الاصفر
والذي طلب ان يتم تنويمي وعمل الفحوصات اللازمة لي وبالتالي كان علي الإنتظار إلى حين توفر سرير شاغر .
عدت بعدها لأهلي لحين توفر سرير شاغر وبعدها يتصلون علي.