الساحر أوباما كسب القلوب.. ولكن ماذا عن العقول؟
العرب: رمى أوباما بكامل ثقله في جامعة القاهرة في أول خطاب له مباشر الى العالم الاسلامي.. لم يكن خافيا على أحد من مئات الملايين المتابعين على شاشات التلفاز من الرباط الى جاكرتا، الدقة والانتقائية الكبيرة التي ميزت خطاب الرئيس الأمريكي وحرصه الواضح على توظيف كل أوراقه، من كاريزما وقوة خطابة ونبرة تصالحية، فالهدف الأساسي كان تصحيح صورة أمريكا المشوهة امام نحو مليار ونصف المليار من المسلمين وكسب العقول والقلوب وترميم الثقة التي دمرها أسلافه في البيت الأبيض مع العالم الاسلامي.
لقد شاهدنا اوباما يتحدث بكل اللغات، بلغة الود والعقل والدين، أورد الآيات من القرآن الكريم والعبر والأحكام من التوراة والانجيل، وضرب الأمثال ونبش في التاريخ وسرد سيرته الذاتية الفريدة التي جعلته رحالا بين القارات وكشف عمق الروابط الشخصية التي تجمعه بالعالم الإسلامي.
لقد فعل أوباما ماكان دائما يتقن فعله ويسحر به الملايين من الأمريكيين والمعجبين به في الغرب، الثقة والحضور القوي وروح الالتزام.
وما من شك أن الرئيس الامريكي قد نجح مرة أخرى على منبر جامعة القاهرة بامتياز في لفت أنظار العالم الاسلامي بقوة اليه، المعتدلون منهم والمتشددون.
نجح في أن يرسخ في ذهن العالم بأنه رجل التغيير وبأنه "أوباما العالمي" المؤمن بالحوار بين الشعوب والأديان والاحترام بين الحضارات والثقافات.
لقد ساق أوباما في خطابه كل تلك الأفكار والقيم الجميلة التي يطرب المسلمون لسماعها، واولها ان أمريكا والاسلام لا يقصي أحدهما الآخر ولا يحتاجان الى التنافس.
بل إنهما يتقاسمان المبادئ نفسها، مبادئ العدالة والتقدم والتسامح والكرامة لكل البشر ويتشاركان في الأمور نفسها التي ترفضها كل الديانات وعلى رأسها قتل الأبرياء من رجال ونساء وأطفال.
كان لزاما علينا نحن المسلمين أن نقبل يد أوباما الممدودة طالما انها تشاركنا الانتظارات نفسها وتبادلنا الأفكار والأهداف نفسها.
وكان لزاما علينا ان نقبل تلك اليد طالما أنها تعهدت بتصحيح الأخطاء والغاء الصورة النمطية التي روج لها أسلاف أوباما عن الاسلام.
فوحده أوباما الذي يفترض ان يعرف حقيقة الاسلام وهو الذي عاشه في صباه بأندونيسيا وخبره بين أفراد عشيرته في كينيا لن تكون فرصتنا أفضل من هذه لانصاف الاسلام واعطائه حق قدره داخل أمريكا نفسها والعالم.
ولن تكون فرصة اوباما أيضا أفضل من هذه لإعادة أمريكا الى مسارها الطبيعي ولمصالحتها مع تاريخها ومبادئها ومع العالم.
سنكون نحن المسلمين أول من يدافع عن امريكا وقيمها وسنكون أيضا أول من يحارب من أجل كسر تلك الصورة النمطية عن أمريكا في العالم الاسلامي، ولكن دعنا أولا نتفق على "خارطة طريق" حتى ننهي كما ذكرت"حلقة الشكوك والخلافات".
صحيح أن البدايات الجديدة، أفضلها تبدأ على أساس "المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل". وهذا ما يأمله العالم الاسلامي و"أمريكا-أوباما" ولكن اعلان حسن النوايا وحده لا يكفي لكسب العقول.
وسحر الكاريزما لا يكفي وحده كذلك لاثبات "التغيير"، وكل القيم والأقوال تصبح فاقدة لمعانيها ما لم ترفق بالأفعال الملموسة.
نذكر جيدا سيد أوباما، في صحيفة العرب، وعلى نفس هذا المنبر، إننا لم نكن نشك مطلقا في أحقيتك بالولاية في البيت الأبيض، فأنت على الأقل أعلنت اختيارك الاتجاه المغاير للبقية وكنت تؤمن كما الشعب الأمريكي وكما العالم كله بضرورة التغيير.
ولكننا نرى أنه لن يكون بمقدورك صناعة التاريخ مجددا ولن يكون تغييرك كاملا وذا معنى ما لم تحدث اختراقا حقيقيا في الشرق الأوسط.
إن الغرب، ومن ورائه أمريكا، والعالم الاسلامي عاشا قرونا من التعاون والتعايش، وان لم تخل تلك القرون في بعض الفترات من الشد والجذب كما هو الحال اليوم في العراق وأفغانستان.
ولكن الايمان بالقيم المشتركة كان دائما هو الغالب في النهاية وهو الذي يدفع الطرفين الى تصحيح الأخطاء والالتقاء في منتصف الطريق.
ولكن اليوم فإن "حلقة الشكوك والخلافات" ليست في ملعبنا ولا في ملعبكم. إنها هناك، في جوار كنيسة المهد وبيت المقدس وحيث تطوق المستوطنات كل أسباب الحياة وكل الحقوق والقيم التي نروج لها نحن وأنتم.
يذكر التاريخ أن المغرب، وهو جزء عزيز من العالم الاسلامي، هو اول من اعترف بالولايات المتحدة كدولة مستقلة وذات سيادة بعد خوضها حرب التحرير في القرن الثامن عشر ضد الاستعمار البريطاني.
وما يرجوه التاريخ ثانية هو أن يترجم السيد اوباما الوعد الذي قطعه بتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط وبناء الدولة الفلسطينية ومراجعة ميزان العلاقات مع دول المنطقة كلها.
إن أفعالك سيد أوباما ستكون وحدها اختبارا لحسن النوايا و"للبدايات الجديدة" مع العالم الاسلامي.
إن الاسلام لن يكون حجر عثرة في طريق التغيير الذي تنشده وانما الأحجار تجدها لدى من يرفض السلام ويرفض الحياة لبقية الشعوب.
--------------------------------------------------------------------------------