دخل خلسة ألبوم صوري ، يحملني بين ذراعيه، نظراته للعلياء وشفتيه بالآذان تكبر لله في أذني يملأ وجداني بفيض الله وبعشقه. لم يكن يعلم حينها أنه كان يبذر في حب الميتافيزيقا وقلق السؤال وعطش ارتقاء السماوات واقتحام القلوب والحفر عن أصل الأشياء .كنت بخجل أتبع خطواته المتثاقلة وهو يشق أزقة المدينة القديمة في اتجاه زاويته ..هاهي منتصبة في هذه الصورة شاهدة عن ورعه. هي عالمه حيث كان على موعد يومي بممكنه ،كنت اجلس خلسة وراء مريديه، أسمعه دائما يردد أنه عالم يسع كل المدينة الثاوية في قلبه بل وأرض الله الواسعة .كنت أندهش كيف يكذب عليهم وهو يحكي عن سفره المتكرر يروي مشاهداته وما كانت تنطق به له الأشجار والمياه والنبات والحيوان والرياح...كيف تتحدث الأشياء وتبوح له بسرها... وحدها أصوات كورالية في تموجاتها تدخلني في غيبوبة وهي تنشد بأسماء الله وبحبها لحبيب تفتقده وتسعى التماهي معه ؛ كنت عاجزا عن تمثل دواتهم أو أن ألحق بعالمهم أو أكتشف سر حيرتهم...كانت ذاتي منتشية بسماع يصدح في كل أرجاء الزاوية الضيقة تشعرني بفراغ ذاتي تحسسني بأني الجسد المتمدد في حيز ذرة في الكون ..كنت أشعر بهم وهم يتناوبون في إنشادهم الفردي والثنائي والجماعي أنهم يسافرون عبر الزمن للأقاصي؛ وجسدي السقيم الفارغ المملوك للرغبة سجين الحيز، مقشعر يرتجف من صدى الأسماع والأذكار، يزداد خفقان قلبي المهرول خارج صدري، أمسك به يلتفت إلي:
--" اتركني أهيم في عشق اللاتناهي، سأعود إليك ، لا تخف" ...
أقلب ألبوم صوري هي ذي صورتي مع جدي أنتحب بين يديه مذعورا:
- " حفيدك بدون قلب، أريد قلبي، رد لي قلبي، ".
تطل علي جدتي من الصورة المقابلة في ألبوم صوري:
- " أتتركه بدون حب إلى أن يموت؟ رأفة بالصغير أرشده لفؤاده ينتشي بخفقاته".
يبتسم جدي فتنطق أخر صوره:
- "بل إلى أن يفنى عن ذاته ويتواصل مع حبيبه.“