الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة و الحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف و لكن ألفٌ حرف و لامٌ حرف و ميمٌ حرف " رواه الترمذي و قال حديثٌ حسنٌ صحيح.
و في صحيح البخاري من حديث أُبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في ءاية الكرسي
"إنها سيدة ءاي القرءان"
و
ذلك لما احتوت عليه من المعاني العظيمة التي فيها توحيد الله تبارك و
تعالى و إثبات علم الله المحيط بكل شىء و أنه لا أحد سواه يحيط بكل شىءٍ
علماً و إثبات أن الله تعالى لا يعتريه عجز و لا سِنة أي نعاس و لا نوم.
و
قد سئل بعض العارفين عن الخالق فقال للسائل: إن سألت عن ذاته فليس كمثله
شىء و إن سألت عن صفاته فهو أحد صمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً
أحد و إن سألت عن إسمه فهو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة
هو الرحمن الرحيم و إن سألت عن فعله فكل يومٍ هو في شأن أي أن الله يغير
أحوال العباد بمشيئته الأزلية التي لا تتغير.
فما هي هذه المعاني العظيمة التي تحويها ءاية الكرسي
{ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ }
أي
أنه لا شىء يستحق العبادة سوى الله و العبادة هنا هي نهاية التذلل لله أو
بعبارة أخرى غاية الخشوع و الخضوع لله تعالى يقول ربنا تبارك و تعالى:{لَا
إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} و يقول أيضاً { وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ
وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } و وجود العالم
دليلٌ على وجود الله فإنك إذا تأملت هذا العالم ببصرك لوجدته كالبيت
المبني المعد فيه جميع ما يُحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف و الأرض
مبسوطة كالبساط و النجوم منضوضةٌ كالمصابيح و صنوف الدواب مسخرةٌ للراكب
مستعملةٌ في المرافق.
{ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }
وصف
الله نفسه بأنه حي و حياة الله أزليةٌ لا بداية لها و أبديةٌ لا نهاية
لها ليست حياةً مركبةً من روحٍ و دمٍ و جسد حياة الله ليست كحياة
المخلوقات، و وصف نفسه بأنه قيوم أي أنه مستغن عن كل شىء و كل شىءٍ يحتاج
إليه فالله لا ينتفع بطاعة الطائعين و لا يتضرر بمعصية العصاة و كفر
الكافرين فمن أحسن فلنفسه و من أساء فعليها و لن يضر الله شىء و ما الله
بظلامٍ للعبيد قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء
إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } فهذه العوالم بما
فيها من ملائكةٍ و إنسٍ و جن لا تستغني عن الله طرفة عين و ليس معنى
القيوم كما يظن بعض الجاهلين أن الله قائمٌ فينا يحل في الأجساد تنزه الله
عما يقول الكافرون.
{ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْم }
أي
لا يصيبه نعاسٌ و لا نوم لأنه منزهٌ عن التطور و التغير و الإنفعال فالذي
يوصف بالنعاس و النوم يوصف بالتعب و المرض و الموت و من كان كذلك لا يكون
خالقاً بل يكون مخلوقاً.
{ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ }
أي
أن الله مالك كل ما في السماوات و الأرض من ذوي العقول كالملائكة و الإنس
و الجن و غير ذوي العقول كالبهائم و الجمادات فالله سبحانه و تعالى هو
مالك الملك هو المالك الحقيقي لكل هذا العالم و هو الحاكم المطلق و الآمر
الناهي الذي لا ءامر له و لا ناهي له.
{ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ }
أي
لا أحد يشفع عند الله إلا إذا أذن الله له فيوم القيامة الملائكة يشفعون
لبعض عصاة المسلمين و كذلك يشفع الأنبياء و الشهداء و العلماء العاملون
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" شفاعتي لإهل الكبائر من أمتي " رواه
أبو داود و غيره، أما الكفار فلا يشفع لهم أحد بدلالة قوله تعالى:{ وَلَا
يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} أي لا يشفع الشفعاء إلا لمن مات على
الإيمان.
{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}
أي
أن أهل السماوات الملائكة و أهل الأرض جميعهم من إنسٍ و من جنٍ لا يحيطون
بشىء ٍ من علم الله إلا بما شاء أي إلا بالقدر الذي علمهم الله تعالى إياه
قال تعالى:{ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ }
الكرسي
هو جرمٌ عظيمٌ خلقه الله تعالى و هو تحت العرش بمثابة ما يضع راكب السرير
قدمه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" ما السماوات السبع بجنب الكرسي
إلا كحلقةٍ في أرضٍ فلاة و فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة" و
الفلاة هي الأرض البرية أي أن السماوات السبع بالنسبة إلى الكرسي كحلقة
ملقاة في أرض برية و الكرسي بالنسبة إلى العرش كحلقةٍ ملقاةٍ في أرض برية.
{ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا}
أي
لا يُتعب الله حفظ السماوات و الأرض لأن كل الأشياء هينةٌ على الله فكما
أن خلق الذرة هينٌ على الله فخلق السماوات السبع و الكرسي و العرش هينٌ
على الله لا يصعب على الله شىء و لا يصيبه تعب و في ذلك تكذيبٌ لليهود
الذين قالوا إن الله تعب بعد خلق السماوات و الأرض فاستلقى ليستريح يوم
السبت و العياذ بالله تعالى فرد الله عليهم في القرءان بقوله { وَلَقَدْ
خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} أي ما مسنا من تعب.
{ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم }
أي
أن الله عال القدر و ليس المقصود علو المكان لأن الله تعالى منزهٌ عن
الجهة و المكان بل المقصود أنه أعلى من كل شىءٍ قدراً و أقوى من كل قوي و
أقدر من كل قادر.
ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في فضل ءاية الكرسي أنه قال يوماً لأحد الصحابة:
"
يا أبا المنذر أتدري أي ءاية من كتاب الله معك أعظم؟ قلت: الله لا إله
إلا هو الحي القيوم. فضرب رسول الله عليه و سلم في صدره و قال:" ليهنأك
العلم أبا المنذر"
و الحمد لله رب العالمين.
منقول للامانة