قال تعالى: "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ" "الأعراف/146" وقال عز وجل: "إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" "غافر/60". وقال- صلى الله عليه وسلم- "يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما ألقيته في جهنم ولا أبالي". وقال- صلى الله عليه وسلم-: "لا ينظر الله إلى رجل يجر إزاره بطرًا".
وروى مسلم في صحيحه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، فقال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَرُ الحقِّ وغمط الناس". ومعنى بطر الحق: الاستنكاف عن قبوله ورده والنظر إليه بعين الاستصغار، وذلك للترفع والتعاظم، ومعنى غمط الناس: ازدراؤهم واحتقارهم.
ومما يتكبر به:
- العلم: وما أسرع الكبر إلى بعض العلماء فلا يلبث أن يستشعر في نفسه كمال العلم، فيستعظم نفسه ويحتقر الناس ويستجهلهم ويستخدم من خالطه منهم وقد يرى نفسه عند الله تعالى أعلى وأفضل منهم.
- الكبر بالحسب والنسب: فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب، وإن كان أرفع منه علمـًا وعملاً، وهذا من فعل الجاهلية كما جاء أن أبا ذرٍ- رضي الله عنه- قال: قاولت رجلاً عند النبي- صلى الله عليه وسلم- فعيرته بأمه فغضب- صلى الله عليه وسلم- وقال: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية: هم إخوانكم".
- الكبر بالمال: وذلك يجري بين الأغنياء في لباسهم وخيولهم ومراكبهم فيحتقر الغني الفقير ويتكبر عليه، وكل ذلك جهل منهم بفضيلة الفقر وآفة الغنى.
واعلم أن التكبر في شمائل الرجل كصعر في وجهه، ونظره شزرًا، وفي أقواله حتى في صوته ونغمته، ويظهر في مشيته وتبختره، وقيامه وجلوسه وحركاته وسكناته، فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله، ومنهم من يتكبر في بعض ويتواضع في بعض، فمنها التكبر بأن يحب قيام الناس له أو بين يديه، ومنها أن لا يمشي إلا ومعه غيره خلفه، ومنها أن لا يتعاطى بيده شغلاً في بيته..
والتواضع خلافه: جاء أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيوف، وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف: أقوم إلى السراج فأصلحه؟ فقال: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه، قال: أفأنبه الغلام؟ فقال: هي أول نومة نامها، فقام وملأ المصباح زيتـًا، فقال الضيف: قمت أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال: ذهبت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر، ما نقص مني شيء، وخير الناس من كان عند الله متواضعـًا.
وبالجملة فمجامع حسن الأخلاق والتواضع سيرة النبي- صلى الله عليه وسلم- فينبغي أن يقتدى به. قال ابن أبي سلمة: قلت لأبي سعيد الخدري: ما ترى فيما أحدث الناس من الملبس والمشرب والمركب والمطعم؟ فقال: يا ابن أخي، كل لله واشرب لله والبس لله، وكل شيء من ذلك دخله زهو أو مباهات أو رياء أو سمعة فهو معصية وسرف، وعالج في بيتك من الخدمة ما كان يعالج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بيته، كان يحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويشتري الشيء من السوق لا يمنعه الحياء أن يعلق الإناء بيده.
ويصافح الغني والفقير، ويسلم مبتدئـًا على كل من استقبله من صغير أو كبير، ويجيب إذا دُعيَ ولا يحقر ما دُعيَ إليه، لين الخلق، جميل المعاشرة، طليق الوجه، شديدًا في غير عنف، متواضعـًا في غير مذلة، جوادًا من غير سرف، رقيق القلب، زادت عائشة- رضي الله عنها- وأنه- صلى الله عليه وسلم- لم يمتلئ قط شبعـًا، ولم يبث إلى أحد شكوى، وكان يقول: "البذاذة من الإيمان".