(( القرية السعيدة ))

من بين أحضان الرمال...وتحت ظلال السماء.. من أعماق السنين...
ومنذ زمن بعيد... وبعيداً عن كل ما هو جديد..
نشأت قرية على ضفة نهر الصفاء وسميت بالقرية السعيدة..
بالفعل كانت سعيدةً كاسمها...
فأهلها متحابون...متعاونون...
يسودهم الود والوئام...والصدق والصفاء و الأمانة و الإخلاص..
كان أهل القرية يجتمعون مساء كل خميس على شط النهر..الشباب والشيب ,,الرجال والنساء,,الصغار والكبار...
يجمعهم على بساطتهم وصفاء قلوبهم ونقاء سرائرهم مائدة كبيره يتشاركون جميعاً في إعدادها خصيصا ً لاجتماع هذا اليوم ومرت الأيام والسنين جميلة سعيدة على أهالي القرية..
وتتالت الأعوام..
وذهبت أجيال... وولدت أجيال..
ومع تسارع الزمن..تيسر حال الكثيرين..
واختلف منظر القرية عما كانت عليه قبل سنين وأصبحت أشبه بالمدينة فقد تطورت المباني وازدحمت..وكثرت المرافق و ازدهرت..
وتحول الناس من حياة البساطة إلى حياة الترف..
وبدأت بذلك روائع القيم تندثر..وشيئا ً فشيئا ً تخلوا عن عادتهم وتقاليدهم..بداية ً باجتماع يوم الخميس..
ونهاية ً بالتعاون والتكاتف والإتحاد..
فقد اختفى الصفاء...و ظهر الحقد والحسد
وتلاشى الصدق...وبرز الكذب
وغادرت الأمانة...وطغت الخيانة
وهكذا استبدلوا كل جميل..
وظهرت المشاحنات والبغضاء وصارت صفات ملازمه للجميع إلا القلة القليل منهم..
وما أن يلتقوا أو تجمعهم المناسبات السنوية يكون لا حديث لهم إلا أخطاء بعضهم البعض...ولا تخلوا محادثة من الغيبة والنميمة والتجريح بالكلام..مما أدى إلى أن يعيش كل شخص لنفسه فقط... فلا يهمه غيره ولا يهتم لحاجة أحد قط ولا تجمعهم إلا المصالح الشخصية فقط..
ولكن...هذا الحال لم يعجب العم أبا صالح ذلك الرجل العجوز الذي ثقل سمعه وبصره وأصبح العكاز لا يفارقه..فقد حاول جاهدا ً نصح هؤلاء و إرشادهم وتذكيرهم بحال القرية قديما ً وكيف كانت أسعد ما تكون عندما كانوا صغاراً...
لكن..
هيهات ..هيهات ماذا يفعل لأناس قد غطى الحقد قلوبهم..وأعمى الحسد أبصارهم...
فجلس في دكانه يبكي على ما آل إليه أهل القرية وبينما هو على هذا الحال..
دخل ابنه صالح وشاهده وهو يبكي ففرع و أنطرح بين يديه يسأله ماذا حدث وما سبب هذا البكاء فأخبره والده بالخبر..
فقبل رأسه ويداه ووعده خيراً بإذن الله..
وفي تلك الليلة لم يهنأ النوم لصالح..ولم يهدأ باله ولم يتوقف عن التفكير فيما سمع من والده وظل طوال الليل يفكر في حل يسعد والده..
وفجأة خطرت بباله فكره....
وبعد صلاة الفجر...وقف صالح أمام والده.. وطلب التحدث إليه..
الوالد:تفضل يا بني هات ما عندك..
صالح:ما رأيك يا أبي أن تنتقل إلى مكان آخر نسكن فيه مادام العيش هنا لم يعد يعجبك..
الوالد:ليس المكان ما يضايقني...ولكن أخلاق الناس لم تعد كما كانت..حتى الصلاة يا بني لم يعد يهتم بها أبناء القرية...وقد رأيت كيف كان المسجد خالياً من المصلين في صلاه الفجر لا يكاد يكتمل صفان للصلاة...
صالح:مادمت نصحتهم ولم يستمعوا نصيحتك ولم يغيروا من أوضاعهم فحري بنا الانتقال إلى مكان أفضل..
وسأطرح الفكرة على العم أبا سالم والعم أبا محمد و نرى ما يقولون..
الوالد: افعل ما تريد يا بني
وفي صباح ذلك اليوم توجه صالح إلى منزل العم أبا سالم
وأخبره برغبته في الانتقال إلى مكان آخر مريح لوالده
رحب أبا سالم بالفكرة و اتجها معاً لمنزل أبو محمد لطرح الفكرة عليه..
استمع لهم أبو محمد إلى أن أنهوا كلامهم لكنه رفض ترك القرية لأنها أغلى ما عنده وأجمل ذكرياته
فقال له أبو سالم : يا أخي هذه القرية كانت لنا جميعاً أجمل ذكريات و بها عشنا أروع الأيام..
ولكن أين هي تلك الذكريات؟؟
لقد اندثرت وانداست بالأقدام مع الأخلاق السيئة والصفات القبيحة
التي تحلى بها الجيل الجديد!!
وهكذا ظل يحاول جاهداً إقناع أبي محمد إلى أن تمكن من ذلك..
ثم أخذوا معهم كل من لم يعجبه حال القرية السعيدة ويرغب في الانتقال لمكان آخر
واتجهوا للضفة الأخرى من النهر وبدئوا في تشييد قرية جديدة تجمعهم ليعيشوا فيها..
وما أن اكتملت مبانيها إلا وقد اتفقوا على تسميتها قرية الصفاء _على اسم النهر_
وجعلوا أساس التعامل بينهم الحب والتعاون والصفاء..
ومرت شهور على انتقالهم كانت من أجمل أيام حياتهم وكأنهم عادوا للقرية السعيدة قديماً...
... وفي أحد الأيام...
ذهب صالح للقرية السعيدة لتفقد دكانه ومنزلهم هناك..
وعند وصوله... تفاجأ بأمر غريب في القرية..!!
لقد كان النهر ملوثاً وقد تغير لونه للسواد..
فظن أن مصانعهم تلقي بمخلفاتها فيه..
وسألهم غاضباً عن السبب..
ولكنهم أكدوا له أنهم لا يلقون أي مخلفات فيه أبداً وأن الأيدي البشرية ليس لها أدنى علاقة بتلوث النهر..
فأندهش مما رأى وسمع...
وعاد إلى قريتهم_قرية الصفاء_ وعلامات الدهشة والقلق والحيرة باديةً على محياه
فسأله والده: ما بك يا بني تبدوا قلقاً متوتراً؟
أجاب صالح: أقلقني منظر النهر في القرية السعيدة يا أبي
لقد كان لونه متغيراً جداً يكاد يتلون بسواد الليل..
والعجيب أن النهر طبيعي جداً فيما بعد القرية السعيدة
ولكني أخشى أن يصل التلوث إلى هنا..
الوالد:ربما كان ذلك بسبب تلوث البيئة بمخلفات المصانع أو نحوها..
صالح: لقد سألت عن ذلك ولكن الجميع أكد لي أن ليس هذا السبب..
احتار أبا صالح في الأمر وبقي يفكر طويلاً
..وفي اليوم الثاني..
طلب أبو صالح من ولده أن يذهب به إلى القرية السعيدة..
وراح يتأمل النهر ملياً ويبكي..
ثم اجتمع بأهل القرية
وقال لهم سائلاً أتعلمون سر تغير لون النهر عندكم؟؟
فتعالت الأصوات واختلطت متسائلة عن السبب!!
انتظر أبا صالح حتى هدأ الجميع
ثم قال:
النهر يعكس قلوبكم
وكلما اسودت قلوبكم بالحقد والحسد والمشاحنات اسود النهر
ولو تصافيتم لصفا نهركم
ولو تعاملتم بما يرضي الله لأرضاكم الله ورزقكم من حيث لا تحتسبون..
ثم تلا قوله تعالى:
{ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لأنزلنا عليهم بركات من السماء}
وبكى فبكى الجميع معه
وقرروا أن يجتمعوا و يتصالحوا ويطهروا قلوبهم
عل الله يرحمهم..

» صور للطبيعة في القرية روووووووووعة